Monday, June 25, 2012

وقفات من شهر شعبان

فضيلة شهر شعبان

وقفات تربوية مع شهر شعبان

أيام مضت وشهور انقضت ودار التاريخ دورته ، فأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن ، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان ، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير ، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ\" ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم .

(1) مكانة الشهر :
فهو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور ، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الشهرٌ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \"كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان\" ووقفتنا التربوية هنا : هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطاً بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله \" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به \" .

(2) عرض الأعمال :
وهو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ من حديث النبي صلي الله عليه وسلم \" .. وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ\"؛ ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية ، فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام ، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل \" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه \" ، فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية ، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة ، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.

3) الحياء من الله
[/color][/color][/color][/color]ففي الحديث السابق بعد آخر يجب أن نقف معه وقفة تربوية، فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان ، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله \" وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم\" ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم ، أن تستحي من نظر الله إليك ، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف: \"إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك\"، وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله ، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته ، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته ، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه ، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله ، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات ، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه .

(4) مغفرة الذنوب :
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: \"يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن\"، هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته ، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا ، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود ، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى \" ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم\" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه ، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرأ على الله بارتكاب معاصيه ، هل فرصة لكل مسلم قد وقع ف ي خطأ \" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابين \" هي فرصة إذاً لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب و ناصعة البياض بالطاعة .

(5) سنة نبوية
شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان\"، وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: \"ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله\"، وفي رواية لأبي داود قالت: \"كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان\"، وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان\"، ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: \"وكان أحب الصوم إليه في شعبان\"، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: \"إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور\"، قال ابن حجر: \"في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان\"، وقال الإمام الصنعاني: \"وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره\"، وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهري على غيري من الشهور\"أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، والوقفة التربوية هنا كم يوماً تنوي صيامه من هذا الشهر اقتداءً بالحبيب

(6) نوافل الطاعات :
إذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها ، ينطلق فيه المسلم من حديث \" إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه \" ، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان ، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا.

(7) السقي السقي :
نعم هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده ، قال أبو بكر البلخي: \" شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع\" وقال أيضا : \"مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر\" ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان ، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المر واضحاً ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف

(8) غفلة بشرية
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين؛ هما: رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب \" ذلك شهر يغفل عنه الناس\" وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين: صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولاً عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولاً عنه، ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة ، فهي دعوة لوقفة مع النفس ، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله ؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق ؟ هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا ، و نعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى \" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا\" وقوله تعالى \" و اذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ولا تكن من الغافلين\" وقوله تعالى \" لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ\" سلمنا الله وإياكم من الغفلة ومضارها وجعلنا وإياكم من أهل طاعته على الدوام .

(9) اطرقوا أبواب الجنان :
فإن شهر شعبان بمثائة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان، ولأن رمضان هو شهر تفتح أبواب الجنة كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله \" إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين\" ، فأين المشمرون عن السواعد ؟؟أين المشتاقون الى لقاء الله ؟؟أين المشتاقون الى الجنة ؟؟ هاهي الجنة تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم ، ففي شهر شعبان مجال طرق الأبواب، بكل وسائل الطرق المتاحة ، فاطرقوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه ، واطرقوا أبواب الجنان بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه مرددين \" لن نبرك بابك حتى تغفر لنا \" واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام ، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول: \" جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له\"، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم مه شهر القرآن .

(10) دورة تأهيلية لرمضان :
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان؛ فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك :

التهيئة الإيمانية التعبدية:

- التوبة الصادقة أولاً، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.

- الإكثار من الدعاء \"اللهم بلغنا رمضان\"؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.

- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.

- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.

- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.

- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في \"رياض الجنة\" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.

التهيئة العلمية

- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).

- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).

- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شرائط أ. عمرو خالد، وشريط روحانية صائم للشيخ الدويش وغيره من العلماء.

- مراجعة ما حُفِظَ من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.

التهيئة الدعوية

- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.

- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًّا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.

- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود- سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله.

- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب وتحبيبًا في طاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق.. إلخ).

- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.

- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.

التهيئة الأسرية

- تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.

- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان) للدكتور أكرم رضا، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن) لدار المدائن.

- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.

- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.

تهيئة العزيمة بالعزم على:

- فتح صفحة جديدة مع الله.

- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.

- عمارة بيوت الله وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس- المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف.. إلخ).

- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.

- سلامة الصدر.

- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: (نية التوبة إلى الله- نية فتح صفحة جديدة مع الله- نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق- نية الصوم الخالص لله- نية ختم القرآن أكثر من مرة- نية قيام الليل والتهجد- نية الإكثار من النوافل- نية طلب العلم- نية نشر الدعوة بين الناس- نية السعي إلى قضاء حوائج الناس- نية العمل لدين الله ونصرته- نية العمرة- نية الجهاد بالمال... إلخ).

التهيئة الجهادية: وهي تحقيق معنى \"مجاهدًا لنفسه\"؛ وذلك من خلال:

- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.

- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ\"خالد أبو شادي\".

- حمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.

المصدر: ملتقى يمانيون

وقفات من شهر شعبان

فضيلة شهر شعبان

وقفات تربوية مع شهر شعبان

أيام مضت وشهور انقضت ودار التاريخ دورته ، فأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن ، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان ، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير ، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ\" ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم .

(1) مكانة الشهر :
فهو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور ، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الشهرٌ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \"كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان\" ووقفتنا التربوية هنا : هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطاً بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله \" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به \" .

(2) عرض الأعمال :
وهو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ من حديث النبي صلي الله عليه وسلم \" .. وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ\"؛ ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية ، فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام ، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل \" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه \" ، فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية ، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة ، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.

3) الحياء من الله
[/color][/color][/color][/color]ففي الحديث السابق بعد آخر يجب أن نقف معه وقفة تربوية، فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان ، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله \" وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم\" ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم ، أن تستحي من نظر الله إليك ، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف: \"إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك\"، وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله ، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته ، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته ، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه ، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله ، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات ، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه .

(4) مغفرة الذنوب :
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: \"يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن\"، هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته ، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا ، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود ، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى \" ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم\" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه ، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرأ على الله بارتكاب معاصيه ، هل فرصة لكل مسلم قد وقع ف ي خطأ \" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابين \" هي فرصة إذاً لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب و ناصعة البياض بالطاعة .

(5) سنة نبوية
شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان\"، وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: \"ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله\"، وفي رواية لأبي داود قالت: \"كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان\"، وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان\"، ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: \"وكان أحب الصوم إليه في شعبان\"، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: \"إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور\"، قال ابن حجر: \"في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان\"، وقال الإمام الصنعاني: \"وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره\"، وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهري على غيري من الشهور\"أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، والوقفة التربوية هنا كم يوماً تنوي صيامه من هذا الشهر اقتداءً بالحبيب

(6) نوافل الطاعات :
إذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها ، ينطلق فيه المسلم من حديث \" إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه \" ، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان ، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا.

(7) السقي السقي :
نعم هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده ، قال أبو بكر البلخي: \" شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع\" وقال أيضا : \"مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر\" ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان ، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المر واضحاً ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف

(8) غفلة بشرية
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين؛ هما: رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب \" ذلك شهر يغفل عنه الناس\" وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين: صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولاً عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولاً عنه، ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة ، فهي دعوة لوقفة مع النفس ، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله ؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق ؟ هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا ، و نعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى \" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا\" وقوله تعالى \" و اذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ولا تكن من الغافلين\" وقوله تعالى \" لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ\" سلمنا الله وإياكم من الغفلة ومضارها وجعلنا وإياكم من أهل طاعته على الدوام .

(9) اطرقوا أبواب الجنان :
فإن شهر شعبان بمثائة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان، ولأن رمضان هو شهر تفتح أبواب الجنة كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله \" إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين\" ، فأين المشمرون عن السواعد ؟؟أين المشتاقون الى لقاء الله ؟؟أين المشتاقون الى الجنة ؟؟ هاهي الجنة تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم ، ففي شهر شعبان مجال طرق الأبواب، بكل وسائل الطرق المتاحة ، فاطرقوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه ، واطرقوا أبواب الجنان بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه مرددين \" لن نبرك بابك حتى تغفر لنا \" واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام ، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول: \" جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له\"، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم مه شهر القرآن .

(10) دورة تأهيلية لرمضان :
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان؛ فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك :

التهيئة الإيمانية التعبدية:

- التوبة الصادقة أولاً، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.

- الإكثار من الدعاء \"اللهم بلغنا رمضان\"؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.

- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.

- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.

- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.

- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في \"رياض الجنة\" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.

التهيئة العلمية

- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).

- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).

- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شرائط أ. عمرو خالد، وشريط روحانية صائم للشيخ الدويش وغيره من العلماء.

- مراجعة ما حُفِظَ من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.

التهيئة الدعوية

- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.

- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًّا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.

- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود- سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله.

- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب وتحبيبًا في طاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق.. إلخ).

- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.

- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.

التهيئة الأسرية

- تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.

- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان) للدكتور أكرم رضا، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن) لدار المدائن.

- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.

- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.

تهيئة العزيمة بالعزم على:

- فتح صفحة جديدة مع الله.

- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.

- عمارة بيوت الله وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس- المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف.. إلخ).

- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.

- سلامة الصدر.

- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: (نية التوبة إلى الله- نية فتح صفحة جديدة مع الله- نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق- نية الصوم الخالص لله- نية ختم القرآن أكثر من مرة- نية قيام الليل والتهجد- نية الإكثار من النوافل- نية طلب العلم- نية نشر الدعوة بين الناس- نية السعي إلى قضاء حوائج الناس- نية العمل لدين الله ونصرته- نية العمرة- نية الجهاد بالمال... إلخ).

التهيئة الجهادية: وهي تحقيق معنى \"مجاهدًا لنفسه\"؛ وذلك من خلال:

- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.

- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ\"خالد أبو شادي\".

- حمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.

المصدر: ملتقى يمانيون

وقفات من شهر شعبان

فضيلة شهر شعبان

وقفات تربوية مع شهر شعبان

أيام مضت وشهور انقضت ودار التاريخ دورته ، فأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن ، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان ، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير ، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ\" ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم .

(1) مكانة الشهر :
فهو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور ، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الشهرٌ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \"كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان\" ووقفتنا التربوية هنا : هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطاً بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله \" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به \" .

(2) عرض الأعمال :
وهو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ من حديث النبي صلي الله عليه وسلم \" .. وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ\"؛ ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية ، فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام ، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل \" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه \" ، فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية ، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة ، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.

3) الحياء من الله
[/color][/color][/color][/color]ففي الحديث السابق بعد آخر يجب أن نقف معه وقفة تربوية، فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان ، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله \" وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم\" ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم ، أن تستحي من نظر الله إليك ، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف: \"إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك\"، وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله ، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته ، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته ، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه ، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله ، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات ، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه .

(4) مغفرة الذنوب :
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: \"يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن\"، هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته ، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا ، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود ، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى \" ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم\" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه ، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرأ على الله بارتكاب معاصيه ، هل فرصة لكل مسلم قد وقع ف ي خطأ \" كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابين \" هي فرصة إذاً لإدراك ما فات وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب و ناصعة البياض بالطاعة .

(5) سنة نبوية
شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة والصيام والقيام؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان\"، وفي رواية عن النسائي والترمذي قالت: \"ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله\"، وفي رواية لأبي داود قالت: \"كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان\"، وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: \"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان\"، ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: \"وكان أحب الصوم إليه في شعبان\"، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان قال ابن رجب: \"إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور\"، قال ابن حجر: \"في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان\"، وقال الإمام الصنعاني: \"وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره\"، وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهري على غيري من الشهور\"أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، والوقفة التربوية هنا كم يوماً تنوي صيامه من هذا الشهر اقتداءً بالحبيب

(6) نوافل الطاعات :
إذا كان شهر شعبان شهراً للصوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو شهر لنوافل الطاعات كلها ، ينطلق فيه المسلم من حديث \" إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه \" ، ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، فهو ميدان للمسابقة في الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيئ شهر الفرقان ، فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا.

(7) السقي السقي :
نعم هو شهر السقي والتعهد والتفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده ، قال أبو بكر البلخي: \" شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع\" وقال أيضا : \"مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر\" ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان ، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المر واضحاً ، قال سلمة بن كهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن ، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف

(8) غفلة بشرية
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين؛ هما: رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب \" ذلك شهر يغفل عنه الناس\" وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين: صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولاً عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولاً عنه، ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة ، فهي دعوة لوقفة مع النفس ، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله ؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق ؟ هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا ، و نعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى \" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا\" وقوله تعالى \" و اذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ولا تكن من الغافلين\" وقوله تعالى \" لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ\" سلمنا الله وإياكم من الغفلة ومضارها وجعلنا وإياكم من أهل طاعته على الدوام .

(9) اطرقوا أبواب الجنان :
فإن شهر شعبان بمثائة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان، ولأن رمضان هو شهر تفتح أبواب الجنة كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله \" إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين\" ، فأين المشمرون عن السواعد ؟؟أين المشتاقون الى لقاء الله ؟؟أين المشتاقون الى الجنة ؟؟ هاهي الجنة تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم ، ففي شهر شعبان مجال طرق الأبواب، بكل وسائل الطرق المتاحة ، فاطرقوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه ، واطرقوا أبواب الجنان بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه مرددين \" لن نبرك بابك حتى تغفر لنا \" واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام ، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء فإن أبا الدرداء كان يقول: \" جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له\"، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم مه شهر القرآن .

(10) دورة تأهيلية لرمضان :
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان؛ فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر فهذا برنامج تأهيلي تربوي يقوم به المسلم في شهر شعبان استعدادًا لشهر رمضان المبارك :

التهيئة الإيمانية التعبدية:

- التوبة الصادقة أولاً، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية.

- الإكثار من الدعاء \"اللهم بلغنا رمضان\"؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.

- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الإثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.

- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.

- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.

- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في \"رياض الجنة\" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.

التهيئة العلمية

- قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً (الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق)، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)، وقراءة تفسير آيات الصيام (من الظلال وابن كثير).

- قراءة بعض كتب الرقائق التي تعين على تهيئة النفس (زاد على الطريق، المطويات الجديدة التي تَصدر قُبيل رمضان من كل عام).

- الاستماع إلى أشرطة محاضرات العلماء حول استقبال رمضان، والاستعداد له، ومنها شرائط أ. عمرو خالد، وشريط روحانية صائم للشيخ الدويش وغيره من العلماء.

- مراجعة ما حُفِظَ من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ إمامًا أو منفردًا، والاستماع إلى شرائط قراءات صلاة التراويح، مع دعاء ختم القرآن.

التهيئة الدعوية

- إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.

- حضور مجالس العلم والدروس المسجدية المقامة حاليًّا؛ استعدادًا لرمضان والمشاركة فيها، حضورًا وإلقاءً.

- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود- سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله.

- إعداد هدية رمضان من الآن لتقديمها للناس دعوةً وتأليفًا للقلوب وتحبيبًا في طاعة الله والإقبال عليه؛ بحيث تشمل بعضًا مما يلي (شريط كاسيت- مطوية- كتيب- ملصق.. إلخ).

- إعداد مجلة رمضان بالعمارة السكنية التي تسكن بها؛ بحيث تتناول كيفية استقبال رمضان.

- الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.

التهيئة الأسرية

- تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.

- الاستفادة من كتاب (بيوتنا في رمضان) للدكتور أكرم رضا، وكتيب (الأسرة المسلمة في شهر القرآن) لدار المدائن.

- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة.

- عقد لقاء إيماني مع الأسرة يكون يوميًّا بقدر المستطاع.

تهيئة العزيمة بالعزم على:

- فتح صفحة جديدة مع الله.

- جعل أيام رمضان غير أيامنا العادية.

- عمارة بيوت الله وشهود الصلوات كلها في جماعة، وإحياء ما مات من سنن العبادات، مثل (المكث في المسجد بعد الفجر حتى شروق الشمس- المبادرة إلى الصفوف الأولى وقبل الأذان بنية الاعتكاف.. إلخ).

- نظافة الصوم مما يمكن أن يلحق به من اللغو والرفث.

- سلامة الصدر.

- العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: (نية التوبة إلى الله- نية فتح صفحة جديدة مع الله- نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق- نية الصوم الخالص لله- نية ختم القرآن أكثر من مرة- نية قيام الليل والتهجد- نية الإكثار من النوافل- نية طلب العلم- نية نشر الدعوة بين الناس- نية السعي إلى قضاء حوائج الناس- نية العمل لدين الله ونصرته- نية العمرة- نية الجهاد بالمال... إلخ).

التهيئة الجهادية: وهي تحقيق معنى \"مجاهدًا لنفسه\"؛ وذلك من خلال:

- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.

- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب (رمضان جهاد حتى النصر) لـ\"خالد أبو شادي\".

- حمل النفس على أن تعيش حياة المجاهدين، وتدريبها على قوة التحمُّل والصبر على المشاقِّ، من خلال التربية الجهادية المعهودة.

المصدر: ملتقى يمانيون

Sunday, June 24, 2012

فضيلة شعبان

ن

الشيخ نذير مكتبي



لقد جعل الله تعالى من المواسم العبادية في حياة المسلم شحنة روحية قوية ، تُصلح ما فسد في مسيرته إلى الله تبارك وتعالى ، وتقوي ما ضعف من صلته به تعالى ، وتعطيه زاداً وفيراً يعينه على التحقق بالعبودية الصادقة لله رب العالمين ، وهي التي أمر سبحانه بها الناس في كثير من آيات كتابه المبين ومنها قوله عز وجل : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات الآية 56 ، وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) الحج الآية77 .

ومن النفحات العظيمة للعبادة وتحسين الصلة بالله تعالى شهرُ شعبان الذي كان رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم يحرص على صرف أوقاته بالتوجه القوي الخالص لله تبارك وتعالى ، فكان يكثر فيه من صيام النافلة ، ويملأ ساعاته ذكراً وقياماً وتلاوة للقرآن الكريم ، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال : يا رسول الله لم أرَك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( ذاك شهر يغفُل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل ، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم ) جامع الأصول ج6ص319 .

وفي هذا الشهر الكريم ليلةٌ عظيمةٌ بركاتها ، كثيرةٌ خيراتها هي ليلة النصف من شعبان ، وقد وردت في فضيلتها أحاديث نبوية عديدة تحضُّ على اغتنامها والتعرض لها ، منها ما رواه ابن ماجة في سننه عن علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها ، فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول : ألا مستغفر فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر ) الجامع الكبير ج1ص2973 ، وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن العلماء قد قرروا أن الحديث الضعيف يُعمل به إن كان فيه حثٌ على فضائل الأعمال واندرج تحت أصل صحيح من أصول الشرع ، كذلك فإن الإمام ابن حبان قد صحح بعض الأحاديث الواردة في فضيلة ليلة النصف من شعبان وأوردها في صحيحه ، كالحديث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : فقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع رافعٌ رأسه إلى السماء ، فقالت : ( أي في نفسها ) بأبي أنت وأمي ، أنت في حاجة ربك وأنا في حاجة نفسي ، فأحسَّ بها رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال لها : ( أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ قالت : يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : إن الله تبارك وتعالى ينزل في ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) جامع الأصول ج9ص264، وكلب قبيلة اشتُهرت بكثرة أغنامها ، وفي هذا إشارة إلى كثرة المغفور لهم في تلك الليلة المباركة.

و لذلك كان السلف الصالح رضوان الله عليهم شديدي الحرص على اغتنام هذا الشهر المبارك ، فكانوا إذا دخلوا في شعبان تفرغوا للإقبال على الله تبارك وتعالى قراءةً للقرآن ، وإخراجاً للزكاة ، وتركاً لكثير من مشاغل الدنيا ، وأخذوا يستعدون فيه لاستقبال شهر رمضان ، ويكثرون فيه من الصيام والذكر والقيام ، وكانوا يسمون هذا الشهر شهر القرَّاء ، وقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب إلى عامله بالبصرة فقال : ( عليك بأربع ليالٍ من السنة أول رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى ، فإن الله تعالى يُفرغ فيهن الرحمة إفراغاً ) ، وروي عن الإمام الشافعي رحمه الله قال : ( بلغنا أن الدعاء يُستجاب في خمس ليالٍ ، ليلة الجمعة والعيدين وأول رجب ونصف شعبان ) .

و ما أحوج المسلمين اليوم إلى اغتنام أمثال هذا الشهر الكريم ليمتِّنوا فيه صلتهم بخالقهم العظيم تبارك وتعالى الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، يطلبون منه المغفرة والرحمة ، والفرج والعزة والنصر على الأعداء الذين تكالبوا عليهم من كل جانب ، وجردوا لحرب الإسلام والمسلمين كل سلاح ووسيلة ، لأن عزَّ المسلمين وانتصارهم ليس بكثرة عددهم وقوة عتادهم ، وإنما بقوة صلتهم بالله واعتمادهم عليه والأخذ بالأسباب كما يريد سبحانه : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) آل عمران الآية126 .
آخر مواضيعي في منتديات احباب الكلتاوية



25-Jul-2010, 04:02 PM #2
معلومات العضو

كلتاوي نشيط


إحصائية العضو

رقم العضوية : 5407
تاريخ التسجيل : Aug 2009
المشاركات : 137
العمر : 52
الإتصال :
المواضيع : 1
مشاركات : 136
رد: فضيلة شهر شعبان / الشيخ نذير مكتبي


اللهم استجب لنا بجاه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
آخر مواضيعي في منتديات احباب الكلتاوية

كيف نستقبل رمضان

كيف نستقبل رمضان
27/07/2010
رمضان فرصة الزمان .. هكذا ينبغي أن يعتقد المسلم، وهكذا كان يعتقد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فلم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة..

أرسل لصديق طباعة
قراءة : 6151 | طباعة : 310 | إرسال لصديق : 12 | عدد المقيمين : 20
رمضان فرصة الزمان .. هكذا ينبغي أن يعتقد المسلم، وهكذا كان يعتقد سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فلم يكن رمضان بالنسبة لهم مجرد شهر من الشهور، بل كان له في قلوبهم مكانة خاصة ظهرت واضحة من خلال استعدادهم له واحتفائهم به ودعائهم وتضرعهم إلى الله تعالى أن يبلغهم إياه لما يعلمون من فضيلته وعظم منزلته عند الله عز وجل .
اسمع إلى معلى بن الفضل وهو يقول: كانوا " يعني الصحابة " يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم . وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، اللهم سلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.
والدعاء ببلوغ رمضان، والاستعداد له سنة عن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم فقد روى الطبراني عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان". (قال الألباني: إسناده فيه ضعف) .
وقد وصفت أمنا عائشة رضي الله عنها حال نبينا صلى الله عليه وسلم في استعداده لرمضان فقالت: كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً .
فهذا عن استعدادهم فكيف عن استعدادنا نحن ؟!!

لقد جمعت لك أخيّ عدة نقاط أراها مهمة في استقبال رمضان، ولعل هناك ما هو أهم منها ولكن هذا حسب ما فتح الله ويسر، والله أرجو أن ينفعنا وإياك:-
1- النية الخالصة :
من التأهب لرمضان وحسن الاستعداد له: أن تعقد العزم على تعميره بالطاعات وزيادة الحسنات وهجر السيئات، وعلى بذل المجهود واستفراغ كل الوسع في استغلال كل لحظة فيه في رضا الله سبحانه .
وهذا العزم ضروري فإن العبد لا يدري متى توافيه منيته ولا متى يأتيه أجله ؟ فإذا انخرم عمره وسبق إليه من الله أمره، وعادت الروح إلى باريها قامت نيته مقام عمله فيجازيه الله على حسن نيته وعلى هذا العزم فينال الأجر وإن لم يعمل . عن ابن عباس رضي الله عنهما: [ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعلمها كتبها الله له عنده حسنة كاملة ... ] الحديث متفق عليه، وقال[ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى ]متفق عليه
ونحن نعرف أناسًا كانوا معنا في رمضان الماضي وليسوا معنا في عامنا هذا وكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر
كم كنت تعرف ممن صام في سلف .. من بين أهل وجيران وخلان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهم .. حيا فما أقرب القاصي من الداني
فكم من مستقبل يومًا لا يستكمله ؟ ومؤمل غدًا لا يدركه ؟ إنكم لو أبصرتم الأجل وميسره لأبغضتم الأمل وغروره، خطب عمر بن عبد العزيز الناس فقال: [ إنكم لم تخلقوا عبثا ولن تتركوا سدى، وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للفصل بين عباده فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم جنة عرضها السموات والأرض، ألا ترون أنكم في أصلاب الهالكين وسيرثها بعدكم الباقون حتى تردَّ إلى خير الوارثين ؟ في كل يوم تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتودعونه وتودعونه في صدع من الأرض غير موسد ولاً ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنيًا عما خلف، فقيرًا إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته .
فيا مغرورًا بطول الأمل، مسرورًا بسوء العمل، كن من الموت على وجل فإنك لا تدري متى يهجم الأجل .
فالنية النية، والعزم العزم، والإخلاص الإخلاص. (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) (التوبة/46) (فلو صدقوا الله لكان خيرًا لهم) (محمد/21)

2 - التوبة الصادقة:-
وهي واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في هذا الحين ألزم وأوجب لأنك مقبل على موسم طاعة، وصاحب المعصية لا يوفق للطاعة ولا يؤهل للقرب، فإن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان، وإن قيد الذنوب يمنع عن المشي إلى طاعة الرحمن، وإن ثقل الذنوب يمنع الخفة للخيرات والمسارعة في الطاعات فتجد القلب في ظلمة وقسوة وبُعد عن الله وجفوة، فكيف يوفق مثل هذا للطاعة ؟ أو كيف يصلح للخدمة ؟ أو كيف يدعى للمناجاة وهو متلطخ بالأقذار والنجاسات ؟ فصاحب المعاصي المصر عليها لا يوفق إلى الطاعة فإن اتفق فبكد لا حلاوة فيه ولا لذة ولا صفوة ولا أنس ولا بهجة، وإنما بمعاناة وشدة، كل هذا بسبب شؤم الذنوب .
وقد صدق الأول حين قال: حرمت قيام الليل سنة بذنبٍ عملته . وعندما قيل للحسن لا نستطيع قيام الليل، قال قيدتك خطاياكم . وقال الفضيل : " إذا كنت لا تستطيع قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محبوس قد قيدتك ذنوبك".

فلابد من التوبة النصوح المستلزمة لشروطها، المصحوبة برد الحقوق إلى أهلها، والمصاحبة للافتقار وإظهار الفاقة والحاجة إلى العزيز الغفار، ولابد من إظهار الرغبة بحسن الدعاء ودوام الاستغفار وكثرة الإلحاح والتضرع إلى الله بالقبول وأن يجعلك ممن تقبل توبتهم قبل رمضان وأن يكتبك في آخره في ديوان العتقاء من النار . وعلامة الصدق كثرة الإلحاح ودوام الطلب وكثرة الاستغفار، فارفع يديك إليه وناجه وتوسل إليه .
يا من يرى ما في الضمير ويسمع .. أنت المعد لكـل ما يتوقـع
يا من يرجّى للشــدائد كلها .. يا من إليه المشتكى والمفـزع
يا من خزائن فضـله في قول كن .. امنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقـري إليك وسيلة .. فبالافتــقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حــيلة .. فـإذا رددت فـأي باب أقــرع
ومن الذي أرجو وأهتف باسمه.. إن كان جودك عن فقيرك يمنع
حاشـا لفضلك أن تقنـط راجيا .. الجود أجـزل والمواهب أوســع

3 - معرفة شرف الزمان
فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجر فيه مع الله، وتطلب به السعادة وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره .
قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربة .
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز .. ... .. عليه من الإنفاق في غير واجب
ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله له بأنه "أيامًا معدودات" وهي إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيه من كان مستعدًا له مستيقظا إليه .
فإذا أدرك الإنسان قصر وقت رمضان علم أن مشقة الطاعة سرعان ما تذهب وسيبقى الأجر وتوابعه من انشراح القلب وانفساح الصدر وفرحة العبد بطاعة الرب سبحانه .
وكم من مشقة في طاعة مرت على الإنسان فذهب نصبها وتعبها وبقى أجرها عند الله إن شاء الله . وكم من ساعات لهوٍ ولعبٍ وغفلةٍ ذهبت وانقضت لذتها وبقيت تبعتها.
وساعة الذكر فاعلم ثروة وغنى .. ... .. وساعة اللهو إفلاس وفاقات

4 - التقلل من الطعام:
وهو مقصد من مقاصد الصيام ومن مقاصد رمضان التعود على تقليل الطعام، وإعطاء المعدة فرصة للراحة، وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام هذه هي التي قسَّت القلوب حتى صيرتها كالحجارة، وأثقلت على النفوس الطاعة، وزهدت الناس في الوقوف بين يدي الله . فمن أراد الاستمتاع بالصلاة فلا يكثر من الطعام، بل يخفف؛ فإن قلة الطعام توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وإنكسار النفس، وضعف الهوى والغضب .
قال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورق، وإن كثرة الطعام تمنع صاحبها عن كثير مما يريد .
قال سلمة بن سعيد: إن كان الرجل ليعير بالبطن كما يعير بالذنب يعمله .
وقد تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقا ل: [كف عنا جشاءك، فإن أطولكم شبعًا في الدنيا أطولكم جوعًا يوم القيامة] رواه الترمذي

5 - تعلم أحكام فقه الصيام:
وأحكامه وآدابه حتى يتم الإنسان صيامه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فيسحتق بذلك تحصيل الأجر والثواب وتحصيل الثمرة المرجوة والدرة الغالية وهي التقوى، وكم من إنسان يصوم ولا صيام له لجهله بشرائط الصيام وآدابه وما يجب عليه فيه، وكم ممن يجب عليه الفطر لمرض مهلك أو لعذر شرعي، ولكنه يصوم فيأثم بصومه، فلابد من تعلم فقه الصيام وأحكامه، وهذا واجب وفرض من عين على من وجب عليه الصيام .

6 - تعويد النفس على
(أ) الصيام: وقد كان النبي يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً . وكان هذا ضروريًا لتعويد النفس على الصيام حتى إذا جاء رمضان كانت مستعدة بلا كلفة ولا تعب يمنعه عن العمل ويحرمه من كثرة التعبد
(ب) القيام: وهي سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكنا يا للأسف ما دخلناها ولا رأيناها . مدرسة تربى فيها النفوس، وتزكى فيها القلوب، وتهذب فيها الأخلاق . عمل شاق، وجهاد عظيم لا يستطيعه إلا الأبطال من الرجال، والقانتات من النساء، الصابرين والصادقين ... بالأسحار . هو وصية النبي لنا وعمل الصالحين قبلنا: [عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد] رواه الترمذي .
إن تعويد النفس على قيام الليل ضروري قبل رمضان وبعد رمضان وهو إن كان لازمًا لكل الناس فهو للدعاة والأئمة ألزم، ففيه من الأسرار ما تنفتح له مغاليق القلوب وتنكسر أمامه أقفالها، فتنزل الرحمات والبركات ويفتح على الإنسان من أبواب الفهم والفتوح ما لا يعلمه إلا الله، ومن تخرج من مدرسة الليل يؤثر في الأجيال بعده إلى ما شاء الله، والمتخلف عن مدرسة الليل تفسو قلوب الناظرين إليه .
فعليك أيها الحبيب بمجاهدة النفس على القيام ولتكن البداية بركعتين ثم زد رويدًا رويدًا حتى ينفتح قلبك وتأتي فيوضات الرحمن .
(ج) كثرة التلاوة: شهر رمضان شهر القرءان، فللقرآن في رمضان مزية خاصة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع سيدنا جبريل في رمضان كما في حديث ابن عباس وذلك كل ليلة، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل في قيامه جدًا كما في حديث حذيفة .
وهكذا كان السلف والأئمة يولون القرآن في رمضان اهتمامًا خاصًا .

7ـ المسابقة والجدية
وهي أصل في العبادة كما في كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21) وفي الحديث: سبق المفردون سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله! قال "الذاكرون الله كثيرًا، والذاكرات".
وقد كان كل واحد من الأولين يعتبر نفسه المخاطب بهذا الأمر دون غيره فكانوا يتسابقون في الطاعة يدلك على هذا ما أثر عنهم من قولهم: "لو أن رجلا بالمشرق سمع أن رجلا بالمغرب أحب إلى الله منه فانصدع قلبه فمات كمدا لم يكن عجبا" .
وقالت جارية لعمرو بن دينار: رأيت في المنام كأن مناديا ينادي: الرحيل .. الرحيل، فما رحل إلا محمد بن واسع !! فبكى عمرو حتى وقع مغشيا عليه.
واعلم أيها الأخ الحبيب أن الأمر جد لا هزل فيه (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذريات:23) وقيل إن عطاء دخل على الخليفة الوليد بن عبد الملك وعنده عمر بن عبد العزيز .. فقال عطاء للوليد: " بلغنا أن في جهنم واديا يقال له هبهب أعده الله للولاة الظلمة " فخر الوليد مغشيا عليه .. فقال عمر لعطاء: قتلت أمير المؤمنين !! قال: فأمسك عطاء بيدي وقال: يا عمر إن الأمر جد فجد .. قال عمر: فوجدت ألمها في يدي سنة .

فاجهد أيها الحبيب أن تكون من أهل الصيام الحق والقيام الصدق لتنال الجائزة بغفران ما تقدم من ذنبك وما تأخر .. أسأل الله الكريم أن يبلغنا بمنه رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، وأن يجعلنا في رمضان هذا من عتقائه من النار .. آمين.


مواضيع ذات صلة فى المحاور التالية
المقـالاتالفتـاوى
لا يوجد مقالات ذات صلة
© 1998-2012Islamweb.netجميع الحقوق محفوظة

وظائف شهر شعبان

الوظيفة الرابعة : تجهيز أحسن الأعمال لرفعها إلى رب العالمين

وفي هذه الجزئية النقاط الآتية:

رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول.
استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان.
لا يرتفع إلى الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم:
التحذير من الخروج عن حد الإخلاص
بركة الإخلاص
شهر "شعبان" هو شهر الإخلاص



------ رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول ------


وهنا معنى جديد في قوله: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين))؛ ورفع الأعمال إلى رب العالمين:على ثلاثة أنواع يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار،ويُرفع إليه العمل يوم "الاثنين" و"الخميس" ويرفع إليه هذا العمل في شهر "شعبان" خاصةً.

فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى رفعًا عامًا كل يوم , قال صلى الله عهليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))([1]) .

ويوم "الاثنين" و"الخميس" تُرفع كذلك الأعمال إلى الله، وهذا الرفع في "شعبان" بالذات رفع مخصوص للمؤمنين، وهو الرفع الثالث الذي تُرفع فيه الأعمال، وتُعرض على الله تعالى، وانظر إلى قول النبي المهم في هذه الحالة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين, فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)))

فالأعمال ترفع كلها إلى الله في هذا الشهر، أتريد أن تُرفع لك أعمال أو لا؟ أو هل ترفع لك أحسن الأعمال أو لا؟

هذان الأمران المهمان: أن الأعمال كلها تُرفع، فيحب أن ترفع وهو صائم، ويحب أن تُرفع الأعمال على أحسن أحوالها.

المعنى إذًا هنا:

ماذا تريد أيها المسكين أن يرفع لك إلى الله؟ أن ترفع الملائكة صحائف النَّاس إلى الله ، فلا توجد في صحيفتك أعمال، هذه الأولى، أو أن ترفع الملائكة الصحائف إلى الله تعالى وفيها أعمالك، ولكنها أعمال خسيسة وقليلة، لا تساوي شيئًا..

(( تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ))

تُرفع فيها كلُّ الأعمال، فأحب أن يُرفع ليَ بعض الأعمال فقط؟ لا بل يحب أن يُرفع له كل الأعمال ، ليس كذلك فقط، ولكنه يحب أن ترفع فيه الأعمال إلى الله وهي في نهاية القبول. لا يمكن أبداً أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن ترفع بعض الأعمال، وأن يترك بقية الأعمال إلى الغَفِلَة؛ هذا يتعارض مع قوله: ((يغفل عنه النَّاس)).

لذلك: يريد أن تُرفع فيه أحسن الأعمال وأكثر الأعمال –وأعماله كلها حسنة وأوقاته كلها عامرة-؛ لأنه لا يمكن أن يرضى بأن تُرفع فيه بعض الأعمال، ولا أن تُرفع فيه الأعمال التي لا تساوي أن تُرفع إلى الله، وإنما يريد أن يقول: تُرفع فيه ما يتمكن المرء فيه من عمل لا يقصر فيه، فيُرفع فيه له الأعمال كافة التي يمكن أن يعملها، في نفس الوقت يُرفع فيه أعمال تُبَيِّض وجهه عند الله.
((تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([2]).
يعني: لمَّا رُفِعَت الأعمال، وعُرِضَت على الله تعالى، فماذا تختار لنفسك أن يُعْرَضَ عليه؟ ما يُبَيِّضُ وجهك أو يُسَوِّدُ وجهك؟! ما يُقْبَل أو ما يرد؟! ما يكون سببًا لجزيل الثواب أو لقلة الثواب؟..
لا شك أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يختار الدرجة العالية، الدرجة الرفيعة التي يؤدي بها، التي تكون سببًا، يُعلِّم بها، ويُنبِّه بها المؤمنين على أن يكونوا على هذا الحال الذي يحبه النبي صلى الله عليه وسلم.


وَرَفْعُ الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائمًا أدعى إلى القبول عند الله تعالى، وأحب إلى الله جل وعلا، وأن يتقبل صالح عمله كله سبحانه وتعالى، وأن يثيبه عليه أعظم الإثابة، وأن يكافئه عليه أعظم مكافئة، وهو ما يسعى إليه المؤمنون تأسيًا واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.


----- استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان -----

ولهذا المعنى كان "شعبان" تقدمة لـ"رمضان"..
إذا كان الحال كذلك في "شعبان" وهو شهر يصوم فيه استحبابًا فما بالك عندما يجيء صوم الواجب الذي به تُغفر الذنوب، ويُرحم النَّاس، وتُعتق رقابهم من النار؟!
فإذا جاء "رمضان" كما يقول صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ))([3]) .
تُرى ماذا تكون حاله في رمضان؟
وكأنَّ إذا رُفع له في "شعبان" أعظم الأعمال وهو صائم، وأحسنها وهو صائم، وأقربها إلى القبول وهو صائم من كل ما يمكن من عمل؛لأنه يقول:
((ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)).
تُراه يرفع فقط الصوم، تراه فقط يرفع القرآن، تراه فقط يرفع الذكر، تراه فقط يرفع القيام، تراه فقط يرفع العلم النافع، أو تراه فقط يرفع الدعوة، والأمر بالمعروف، أو الصدقة أو الزكاة، أو السعي على مصالح المسلمين، أو القيام بحوائجهم، أو الإصلاح بينهم؟ أو الأخلاق العالية الحسن.
كل ذلك يرفع له فإذا جاء "رمضان" إذًا: كان على هذا الحال الحسن، قد رُفعت الأعمال وقُبلت ، وتزكت ، وزُكيت النفوس، والقلوب، وصار أهلًا لهذه العبادة وأهلًا لهذه الرحمة، وأهلًا للعتق من النار، دخل المرء على "رمضان" وقد وجد حلاوة الإيمان، ووجد حلاوة الصيام، ووجد حلاوة القيام، ووجد حلاوة الذكر، ووجد حلاوة الطاعة، وأخرج زكاته، وأخرج صدقته، وأخذ حظه من أنوار المجاهدة التي بها تُرفع الأعمال إلى رب العالمين كان جديرا برحمة الله وفضله أن يخرج على أحسن حال.


----- لا يرتفع إلى الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم -----

هناك معنى آخر في قوله صلى الله عليه وسلم : ((ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)).
أي الأعمال هذه التي تُرفع؟ الأعمال التي أخلص العبد فيها لربه.
إن عمل المرء إذا رُفع إلى الله على هذه الحالة السيئة أُلْقِيَ به في وجهه، وإذا كان هذا العمل ضعيفًا كيف يُرفع إلى الله تعالى؟
وإنما يرفع باجتماع الهمة وقوة القلب، وعلى قدر قوة القلب وقوة العزيمة، وارتفاع الهمة وعلوها ترتفع الأعمال إلى الله تعالى. على قدر ما في القلوب من الإخلاص والمحبة وتوابعها.
فينبغي التنبه إلى أن أيام الغفلة، أيام الإخلاص , ليس للنفس فيها نصيب.
إن أيام الغفلة التي تُرفع فيها الأعمال إلى الله، لا تُرفع إلا بالإخلاص لأنه أشق شئ أن تعمل والناس لا يعملون ثم لا يداخلك العجب وإظهار العمل.
والله تعالى يقول :﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾[البينة:5].
يعني: ألا يريد بعمله ذلك إلا الله؛ لأنه تُرفع الأعمال إلى الله تعالى، فإذا بالله تعالى يلقي بهذه الأعمال ويَرُدَّها، وتسأله الملائكة فيخبرهم أنَّ هذه الأعمال لم يريدوا بها وجه الله تعالى.
تُراك أيها المسلم المؤمن! وأنت تعمل العمل على غير الإخلاص لله تعالى، تُراه يرتفع إلى الله؟!
لا يرتفع إلى الله تعالى إلا ما كان خالصًا يُبْتَغَى به وجه سبحانه وتعالى، وكذلك في الآخرة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: « الرِّيَاء ُ, إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ تُجَازَى الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمُ : اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ بِأَعْمَالِكُمْ فِى الدُّنْيَا , فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً ؟» لا يجدون عندهم شيئًا!


-----التحذير من الخروج عن حد الإخلاص ------

إنَّ معاملات المؤمنين اليوم - إلا من رحم ربي - قد خرجت عن حدِّ الإخلاص لله تعالى؛ حتى وهم يعبدون الله -تبارك وتعالى- يحبون أن يُمدحوا على هذه العبادة، حتى الذي يُوَفِّقَه الله تعالى مثلًا لِأَنْ يقوم ليلة، وهو يصلي بالليل يَوَدُّ أن يطلع عليه النَّاس ليروه وهو يصلي، وهو يقوم، وهو يفعل.

وهذا الصائم يود أن يعلم النَّاس بصيامه، وأنه صائم، لا يريد أن يخفي صيامه، ولا أن يخفي عبادته، وإنما يريد أن يطلع النَّاس عليها ليمدحوه عليها، أو يريد من النَّاس ترك المذمة، أو يريد من النَّاس العِوَض على ذلك، حتى في معاملاته هذا المسكين مع النَّاس إذا أحسنوا إليه أحسن إليهم، أو أحسن إلى النَّاس إذا به لو أساءوا إليه، يقول: (قد فعلت لهم كذا وكذا، وعملت لهم كذا وكذا، ثم يعاملونني بكذا وكذا، وهذا آخرته وهذا رد الجميل، وهذا.. )
فيتضح بذلك أنه لم يكن مخلصًا في عمله، ولم يكن مخلصًا في صحابته وصداقته،ولم يكن مخلصًا في مقاطعته، إنما غضبه لنفسه،وصداقته لنفسه، وانتظاره لأجر النَّاس له، ورد المكافئة ورد الجميل، وكفُّ الشر، وكف الأذى، إلى آخر هذه النوايا السيئة التي لا يفهمها المرء من نفسه، فإذا ما ظهرت الحقائق، وجاء الامتحان، وجدتَّ أنَّ كلَّ ذلك لم يكن لله تعالى، وإنما كان لأنفسهم، وكان لتحصيل مصالحهم النفسية والمالية وهي بعيدة كل البعد عن الله تعالى، بعيدة عن إرادة وجهه سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً ﴾ [الإنسان9] لا يريدون جزاءً ولا شكورًا مِن أحد، وإنما قدموا ما قدموا ينتظرون ما عند الله، فإذا لم يعطهم المولى سبحانه وتعالى لن يعطيهم أحد، وإذا ما عملوا هذه الأعمال على انتظار هذا الرياء، أو على انتظار السُّمعة، أو على انتظار الشُّهرة بين النَّاس، والمدح لهم، أو مكافئتهم، أو القيام بحقوقهم، أو الحزن عند التقصير على القيام بواجباتهم، و السؤال عنهم، سألت عنه فلم يسأل عني، وأعطيته واحتجت فلم يعطني، وفعلت.. وفعلت.. كل ذلك ليس من الإخلاص لله تعالى.
قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا, قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ , قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ, فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّار ِ, وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا , قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ , قَالَ :كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ , وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ , فَقَدْ قِيلَ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ , وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا, قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ , قَالَ : كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ , فَقَدْ قِيلَ, ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ » ([5])
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أوَّل من تُسِعَّر بهم النار يوم القيامة، هذا الذي قد تصدَّق لله تعالى، وهذا الذي قُتِلَ في سبيل الله، وهذا الذي تعلَّم العلم، كل هؤلاء أول من تُسَعَّر بهم النار. هذا الذي استُشْهِدَ وقتل في سبيل الله، يُعَرِفَه نعمه فيعرفها، فيقول: ماذا فعلت فيها؟ يقول: قاتلت فيك حتى استشهدت، يُقال له: كذبت، مع أنه قاتل وأتعب نفسه، كل هذا التعب، ولكنه يُقال في النهاية: كذبت، لم تفعل ذلك لله تعالى، نعم! قد قتلت، نعم! قد حدث لك، وحدث، ولكنك في نهاية الأمر كنت كذابًا، كذبت لم ترد به وجه الله إنما ليقال شجاع.. اذهبوا به إلى النار. والرجل قد تصدَّق، وأعطى وأنفق، ولم يترك شيئًا إلا قد أنفق فيه، وأعطى لهذا وفعل لذلك, وقام بخدمة هذا، وسَوَّى لهذا، يُعَرِّفه نِعَمَهُ فيعرفها، فيقول: ماذا فعلت فيها؟ يقول: ما تركت بابًا لك إلا أنفقت فيه، فيُقال له: كذبت!
هو أنفق وقام وسعى وأعطى وتصدق، ولكن يقال، كذبت أيها الكذاب!
إنما تصدقت ليُقال: جواد وقد قيل، أنت تريد أن يُقال: كذا وكذا؛
قد أخذت حظك أيها المسكين! حظك هذا الحقير الزائل، اذهبوا به إلى النار، فيُذهب به إلى النار.


----- بركة الإخلاص -----

وهذا الأمر هو أهم الأمور التي نفتقدها اليوم؛ لأنَّ بركة الإخلاص هي قبول العمل ونماؤه ورفعه إلى الله مع عود ذلك على القلب بالنور والقوة والحياة والترقي. أن يعمل المرء لله تعالى، أن يُصاحب لله تعالى، أن يُقاطِع لله تعالى، لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا، وهذا المعنى المهم سواء في معاملته لله، أو في معاملته للنَّاس.
وقد روى الحسن رضي الله عنه قصةَ الإخلاص التي تُبَيِّن هذه البركة؛ لأن بركة الإخلاص تظهر في الأعمال، وتزكيها وترفعها إلى الله، وربما كان العمل قليلًا، ولكنه مُخْلِصُّ فيه إذا به يُرفع إلى الله تعالى والعمل الكثير يُلقى في وجهه هباء منثورًا، كما ذكرت الآية ، لأنه لا يريد به وجه الله تعالى.
يذكر الحسن هذه القصة يقول: كانت شجرة تُعبد من دون الله تعالى، فخرج إليها عابد قال: لأقطعن هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، فاعترضه الشيطان قال: إلى أين؟
قال: إلى أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله، قال: ليس لك إليها سبيل، قال: لا، بلى، فتعاركا، فغلب الشيطان، ثم قال له:
هل أقول لك ما أفضل من ذلك؟ قال نعم..
قال: دعها ولك بذلك كل يوم دينارين، قال: من يضمن لي ذلك، قال: أنا، تحت وسادتك، فرجع الرجل فوجد الدينارين تحت وسادته في اليوم الأول، وفي اليوم التالي لم يجد الدينارين، فقام ليقطع الشجرة، فاعترضه الشيطان قال: ليس لك إليها سبيل، فتعاركا فخنقه الشيطان.
اُنظُر إلى بركة الإخلاص في المرة الأولى:
يقول له الشيطان ذلك، قال له الشيطان، وأنك قد خرجت لله في المرة الأولى، فلم يكن لي عليك سبيل، لم يتمكن منك الشيطان، فلما خرجت في المرة الثانية خرجت للدينارين، خرجت لحظ نفسك، لمصلحتها، لمدحها، لحظوظ الدنيا، لشهواتها، خرجت لأنك تُعَظِّم ما في نفسك من شهوة إلى المال، إلى الجاه، إلى المدح، إلى السلطان، إلى أن يقال عنك كذا وكذا, فلم يكن لك عليَّ سبيل.. فتمكن منه الشيطان.

وهي أعمال اليوم التي تُبَيِّن هذه القصة، وهو أن بركة الإخلاص ألّا يتمكن الشيطان من العبد، فإذا ما عمل الأعمال على غير الإخلاص لا يعبأ به الشيطان، يتلاعب به الشيطان؛ لأنه لم يكن لله تعالى في عمله، لا يريد به وجه الله فإذا به لا بركة له، ولا قوة في قلبه له، ولا قوة في بدنه عليه من هذه الأعمال الصالحة، فإذا بالشيطان يَصْرَعُه، فإذا قام يصرعه الشيطان ، فإذا قام يصرعه وهكذا، كلما أراد بعمل غير الله تعالى إذا بالشيطان يتمكن منه، وإذا به لا يستطيع أن يتقدم إلى الله تعالى، وكل أعمالنا إلا من رحم الله تبارك وتعالى يشوبها ذلك , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


----- شهر"شعبان" هو شهر الإخلاص -----


التركيز اليوم على أن شهر "شعبان" هو شهر الإخلاص، أن ينظر المرء في أقواله وأفعاله، وعباداته، ما يريد به وجه الله تعالى، وما لا يريد، ولكن أن يدخل "رمضان" عليه وهو على هذه الحالة السيئة، لا ينتظر مغفرة ولا رحمة، فهذا سبب من الأسباب العظيمة التي يخرج بها المرء من "رمضان" ليس مغفوراً له، يخرج من "رمضان" وما أحسَّ بعتقه من النار، يخرج من رمضان وما أحسَّ بإقباله ومحبته واستقامته وزهده،لم يحس بتوكله وقربه إلى الله تعالى.
وقصة الإخلاص هي أعظم القصص، وأيام الغفلة هي أيام تربية النفس عليه بأن يكون المرء في ظاهره وباطنه لا يريد إلا الله سبحانه وتعالى في قوله وفعله وسره وعلانيته وظاهره وباطنه يريد وجه الله تبارك تعالى، لا يريد وجه الزائلين الذين لن يغنوا عنه من الله شيئًا.

وهذا الشهر إذًا شهر الغفلة هو الذي يُظهر الإخلاص، لذلك كان كثير مِن السَّلف: كعبد الله بن مسعود يقول: إذا أصبحتم صائمين فَأَصْبِحُوا مُدَّهِنين.
حتى تذهب غُبْرَةُ الصيام، حتى لا يظن بك أحد أنك صائم، وأنك تُظْهِرُ الصوم، وأنك عصبي لأنك صائم، وأنك مصفر الوجه لأنك صائم، وكذا، وكذا مما يظهره المرء، ويحاول أن يداريها، وهو يحب أن يظهر، وتصرفات المؤمنين يعلمها الله تعالى منهم قبل أن يتميزها البشر.
لذلك قال: "يصبحوا مُدَّهِنين "حتى تذهب عنهم غُبْرَة الصوم , فيظهرون للناس أنهم لا صوم، ولا شيء، وإنما يستخفون بذلك بينهم وبين الله تعالى؛ يكفيهم أن الله تعالى يعرفهم لأن النبي قال صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه: ((إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي)) , فهو سر بينه وبين الله تعالى، ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ))([4]).
فيتعلم المرء من الصوم الإخلاص في بقية أعماله، وشهر "شعبان" شهر المجاهدة على هذا الإخلاص التي يتهيأ بها ل"رمضان".


([1]) أخرجه البخاري (555) ، ومسلم (632) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

([2]) سبق تخريجه.

([3]) أخرجه البخاري (1899) ، ومسلم (1079) وهذا لفظه وعند البخاري "سُلْسِلَت " بدلًا من "صُفِّدَت" .

([4]) أخرجه البخاري (5927) ، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

([5]) أخرجه مسلم (1905) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .




________________________________________________________
روابط ذات صلة : وظائف شهر شعبان
ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان"
________________________________________________________________________________________________________________
تنبيه هام : هذه الوظائف استخرجها محررو الموقع -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم - من كتاب فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم , وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتاب أصله تفريغ لخطب "حال المؤمنين في شعبان" وخطب "الاستعداد لشهر رمضان" , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق

الحقوق الفكرية: فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله

ملف شهر شعبان

مـلـف " شهـــر شعبـــان "



شهــــــر تُرفع فيـــه الأعمال ....فكيف نستقبله ؟

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425

وها أنا أنصح نفسي وإياكم بالكلمات التالية فكلنا في حاجة لها قبل رفع أعمالنا .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه.

اعلم يا أخي المسلم الكريم أن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فأنت خطاء، وصاحب هفوات وفلتات، فكم مرة زل بها لسانك، فاغتبت فلاناً، أو شتمته، وكم امتدت يدك إلى علان بغير حق، وكم نظرت عينيك إلى ما يغضب الله، وكم... وكم... وكم.

لذلك أخي الكريم أوجب الله تعالى على عباده التوبة فقال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور:31].

وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [التحريم:8].

فالتوبة واجبة من كل ذنب، والله تعالى يحب التوابين ويفرح بتوبة العبد إليه فرحاً عظيماً واسمع يا رعاك الله إلى وصف رسول الله فرح الله بتوبة العبد في الحديث الذي رواه أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة » [متفق عليه].

وفي رواية مسلم « لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح. »

الله أكبر ما أعظم هذا الفرح، والله إنه لفرح عظيم، ولا يمكن لأحد أن يتصوره، تخيل نفسك بأرض صحراء، ليس حولك أحد، ولا ماء ولا طعام ولا أناس، وقد ضاع بعيرك وعليه طعامك وشرابك، وأخذت تبحث عنه هنا وهناك، ولكن بدون جدوى، فيئست من الحياة وجلست تحت شجرة تستظل بظلها وأنت تنتظر الموت، فبينما أنت كذلك تفتح عينيك فتجد الناقة أمامك، قد تعلق خطامها بالشجرة، وعليها طعامك وشرابك فأخذت بخطامها وصحت من شدة الفرح قائلاً: ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) أخطأت من شدة الفرح وإنما أردت أن تقول: ( اللهم أنت ربي وأنا عبدك ).

فهل تصورت يا أخي هذا الفرح، أظنك تقول نعم، فاعلم أن فرح الله بتوبة عبده أكثر وأعظم من فرح هذا الرجل بالحياة بعد الموت.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظيم كرم الله وعفوه فهو يفرح بتوبة العبد لا لأجل حاجته إلى أعمالنا وتوبتنا فالله غني عنا، ولكن لمحبته سبحانه للكرم والعفو.

فبادر أخي المسلم بالتوبة واعلم أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء االنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها » .

لذلك كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه كثير التوبة والاستغفار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة » [رواه البخاري]. وفي حديث آخر عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة » .

واعلم يا أخي الحبيب أنك بالتوبة إلى ربك تتحصل على ثلاث فوائد عظيمة وهي:

الفائدة الأولى: امتثال أمر الله ورسوله، وفي امتثال أمرهما كل الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

الفائدة الثانية: الاقتداء برسول الله حيث كان يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، وفي الاقتداء بالرسول تأتي محبة الله، يقول الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ } [آل عمران:31].

الفائدة الثالثة: غفران الذنوب وتكفير السيئات واستبدالها بالحسنات، قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان:68-70]. وبعد أن علمت يا أخي التائب فضل التوبة، وعلمت أن الله يحب التوابين، وعلمت أن نبينا وهو أفضل الناس، وأتقاهم وأخشاهم لله، ومع هذا كان كثير التوبة والاستغفار، فما هو حالك أنت أيها المسكين الضعيف، المقصر المفرط أما آن لك أن تتوب، أما آن لك أن تعود، أما اشتقت لجنة الله، أما اشتقت لمجاورة الحبيب محمد .

واعمل لدار البقا رضوانُ خازنُها

الجارُ أحمدُ والرحمنُ بانيها

أرضٌ لها ذهبٌ والمسكُ

طينتُها والزعفرانُ حشيشٌ نابتٌ فيها

أحمدُ دلالُها والربُ بائعُها

وجبريلُ ينادي في نواحيها

من يشتري الدار بالفردوس يعمرُها

بركعة في ظلام الليل يحييها




واعلم أيا رعاك الله أن للتوبة شروط، لا تقبل التوبة إلا إذا استوفت هذه الشروط، فإذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن تقلع عن المعصية فوراً.

الشرط الثاني: أن تندم على فعلها.

الشرط الثالث: أن تعزم ألا تعود إليها أبداً.

فإن فقد أحد هذه الشروط لم تقبل التوبة، وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة، هذه الثلاثة..

والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها إن استطاع، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت غيبة استحلها منه، وإن لم يستطع أكثر من الدعاء له والتصدق عنه.

واعلم يا أخي التائب، أن النبي قد بين صنفاً من الناس لا يعفو الله عنهم، فالحذر أن تكون منهم والعياذ بالله، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل أمتي معافى إلا المجاهرون » .

والمجاهرة أن يفعل الذنب ثم يصبح يحدث الناس، يقول فعلت كذا وكذا والعياذ بالله، فعليك أخي الكريم التوبة، الآن، نعم الآن، وقبل أن يفوت وقت التوبة، فإن للتوبة وقت محدود، لا يقبل الله التوبة بعده أبداً ، قال صلى الله عليه وسلم : « إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » [أخرجه الترمذي وحسنه الألباني]. والغرغرة أن تصل الروح الحلقوم، وهو عند الاحتضار، قال الله تعالى: { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } [النساء:18]. وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه » [مسلم].

فما يدريك يا أخي متى تأتيك منيتك، ومتى تحين وفاتك، لعلك لا تمسي، بل لعلك لا تكمل قراءة هذه الورقات، فالبدار البدار إلى التوبة، جعلني الله وإياك من التوابين.

يا نفس ويحك توبي إلى الله واكتسبي

فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني




من قصص التائبين

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الارض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة » [متفق عليه].

وفي رواية في الصحيح: « فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها » . وفي رواية في الصحيح: « فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له » . وفي رواية: « فنأى بصدره نحوها » .

وعن أبي نجيد عمران ابن الحصين الخزاعي رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه عليّ، فدعا نبي الله وليها فقال صلى الله عليه وسلم : « أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني » ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟ قال صلى الله عليه وسلم : « لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟ » [رواه مسلم].

فيا أخي الشاب:

هل تذكرت هادم اللذات، ومفرق الجماعات ومشتت البنين والبنات؟

هل تذكرت يوماً تكون فيه من أهل القبور؟

هل تذكرت مفارقة الأهل والجيران، والأموال والأصحاب والأوطان؟

هل تذكرت ضيق القبور وظلمتها؟

هل تذكرت وحشتها وكربتها؟

هل تذكرت عذاب القبر وألوانه؟


هل تذكرت حياته وعقاربه وديدانه؟



هل تذكرت ضرب الفاجر بمرزبة من حديد مع الإهانة؟

هل تذكرت سؤال الملكين منكر ونكير؟

هل تذكرت أتوفق للصواب من الجواب، أم يقال لك: لا دريت ولا تليت؟

هل تذكرت نعيم القبر وروحه وريحانه؟

أخي أعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وللصواب إخلاصاً لا رياء. وكان عون بن عبد الله يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي، بأي شيء لم أعص ربي؟

ويحي ! إنما عصيتُه بنعمته عندي.

ويحي ! من خطيئة ذهبت شهوتُها، وبقيت تبعتُها عندي.

ويحي ! كيف أنسى الموت ولا ينساني؟

ويحي ! إن حُجبت يوم القيامة عن ربي.

ويحي ! كيف أغفل ولا يغفل عني؟

أم كيف تُهنئُي معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟ أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي؟

أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري؟

أم كيف أجمعُ بها وفي غيرها قراري؟

أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل منها يكفيني؟

أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي؟

أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي؟

أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني؟

فيا أيها الشاب: إياك أن تسوف بالتوبة وتتكل على العفو والمغفرة وإياك أن تقول: ما زلت في شبابي وسوف أتوب إذا تقدمت بي السن، فالموت لا يعرف شيخاً ولا شاباً، ولا رجلاً ولا امرأة، ولا غنياً ولا فقيراً، ولا أميراً ولا وزيراً.



قل للمفرط يستعد

ما من ورود الموت بدُ

قد أخلق الدهر الشباب

وما مضى لا يُستردُ

أو ما يخاف أخو المعاصي

من له البطشُ الأشدُ

يوماً يعاين موقفاً

فيه خطوب لا تجد

فإلام يشتغل الفتى

في لهوه والأمر جدُ

أبداً مواعيد الزمان

لأهله تعب وكد

يا من يؤمل أن يقيم

به وحادي الموت يحدو

وتروح داعية المنون

على مؤملها وتغدو

يختال في ثوب النعيم

ودونه قبر ولحد

والعمر يقصرُ كل يوم

ثم في الآمال مدُ




أيقظنا الله وإياكم من هذه الرقدة، وذكرنا الموت وما يأتي بعده، وألهمنا شكره على النعم وحمده، إنه كريم لا يرد عبده.

وقبل أن أختم كلامي معك، كأنني بك تتساءل، ما هو الثمن الذي أرجوه وما هو جزائي إن تبت إلى الله وأنبت؟ فأقول لك والثمن الجنة...؟

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » . وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .

وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها » .

قال ابن القيم: وكيف يقدر دار غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه.

فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران.

وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن.

وإن سألت عن لاطها فهو المسك الأذفر.

وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر.

وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب.

وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب.

وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل.

وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.

وإن سألت عن أنهارها، فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.

وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.

وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور.

وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.

وإن سألت عن سعة أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام.

وإن سألت عن ظلها، ففيها شجرة واحدة، يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها.

وإن سألت عن سعتها، فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام.

وإن سألت عن خيامها وقبابها، فالخيمة الواحدة من درة مجوفة لها ستون ميلاً من تلك الخيام.

وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب.

وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق بين ثناياها إذا ابتسمت.

وإن سألت عن السن فأتراب في أعدل سن الشباب.

وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر؟ فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها، أضاءت الجنة من ضحكتها. إن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبلت فلا شيء أشهى من التقبيل، وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.

فحي على جنات عدن فإنها

منازلك الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلم



وفقنا الله وإياكم للتوبة وجعلنا من عباده التوابين إنه سميع مجيب...



أهل السنة والجماعة




============

حـــول شهر شعبان



شعبان هو اسم للشهر ، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ، وقيل تشعبهم في الغارات ، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ، ويجمع على شعبانات وشعابين .

الصيام في شعبان :


عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956 ) ، وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ، ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان " وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : " ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425 ، وفي رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461

قال ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .

وقوله " شعبان شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان "

يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان - الشهر الحرام وشهر الصيام - اشتغل الناس بهما عنه ، فصار مغفولا عنه ، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر حرام ، وليس كذلك .

وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه .

وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة ، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة ، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها :

أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد ، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته ، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال : " إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين " ، وقال قتادة : " يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام "

وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ، وعند مسلم ( رقم 2984 ) من حديث معقل بن يسار : " العبادة في الهرْج كالهجرة إلي " ( أي العبادة في زمن الفتنة ؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق ) .

وقد اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال :

1- أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها .

2- وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك ، وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم .

3- وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه : وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه : " ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425

وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فيجب التنبه والتنبيه على أن من بقي عليه شيء من رمضان الماضي فيجب عليه صيامه قبل أن يدخل رمضان القادم ولا يجوز التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة ( مثل العذر المستمر بين الرمضانين ) ، ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فعليه مع القضاء بعده التوبة وإطعام مسكين عن كل يوم ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .

وكذلك من فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط .

ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة ، وقال سلمة بن سهيل كان يقال : شهر شعبان شهر القراء ، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء ، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن .

الصيام في آخر شعبان

ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : " هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال لا ، قال : فإذا أفطرت فصم يومين " وفي رواية البخاري : أظنه يعني رمضان وفي رواية لمسلم : " هل صمت من سرر شعبان شيئا ؟ " أخرجه البخاري 4/200 ومسلم برقم ( 1161 )

وقد اختلف في تفسير السرار ، والمشهور أنه آخر الشهر ، يقال سِرار الشهر بكسر السين وبفتحها وقيل إن الفتح أفصح ، وسمي آخر الشهر سرار لاستسرار القمر فيه ( أي لاختفائه ) ، فإن قال قائل قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين ، إلا من كان يصوم صوما فليصمه " أخرجه البخاري رقم ( 1983 ) ومسلم برقم ( 1082 ) ، فكيف نجمع بين حديث الحثّ وحديث المنع فالجواب : قال كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث : إن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن له عادة بصيامه ، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه . وقيل في المسألة أقوال أخرى ، وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان ، فهذا محرم .

الثاني : أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك ، فجوّزه الجمهور.

الثالث : أن يصام بنية التطوع المطلق ، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه ، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا ..

وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء ، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره . فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة ( لغير من له عادة سابقة بالصيام ) فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها :

أحدها : لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه ، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى ، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم ، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم .

ولهذا نهي عن صيام يوم الشك ،قال عمار من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، ويوم الشك : هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا ؟ وهو الذي أخبر برؤية هلاله من لم يقبل قوله ، وأما يوم الغيم : فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى عن صيامه ، وهو قول الأكثرين .

المعنى الثاني : الفصل بين صيام الفرض والنفل ، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع ، ولهذا حرم صيام يوم العيد ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام ، وخصوصا سنة الفجر قبلها ، فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة ، ولهذا يشرع صلاتها بالبيت والاضطجاع بعدها .

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وقد أقيمت صلاة الفجر ، فقال له : " آلصُّبح أربعا " رواه البخاري رقم ( 663 ) .

وربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل ؛ لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام ، وهذا خطأ وجهل ممن ظنه . والله تعالى أعلم .

المراجع : لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف : ابن رجب الحنبلي ، والإلمام بشيء من أحكام الصيام : عبد العزيز الراجحي

والله الموفّق
*******************


الاجتماع للطعام مع أهازيج في آخر يوم من شعبان






السؤال : بعض العائلات يجتمعون في أخر ليلة من شعبان ويصنعون أطعمة وبعض كبار السن عندهم أهازيج لهذه المناسبة فما حكم الاجتماع والطعام ؟.







الجواب :عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله :
أنا أرى أنها إلى البدعة أقرب ، وإلى النهي أقرب من الحِلّ ، لأنه يُتَّخذ عيدا ، ولو كان مصادفاً مرة واحدة فإنه لا بأس .

- ما هي الخلاصة ؟

الجواب : أننا ننهى عنه . انتهى ، والله أعلم .



الشيخ محمد بن صالح العثيمين


يتبع
__________________
[center]

نقلته لكم
والدال على الخير كفاعله
ومن استطاع أن ينشر ما ننقله فجزاه الله خيرا
****
فوائد وحكم من أقوال بعض السلف.rar







من المواقع المفيدة والنافعة

kelebihan bulan Syaeban

شهر شعبان
أبو عبدالله المصري

من أبي عبد الله المصري إلى من أحبه في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فإنه ليترآى لي من بعيد ضيف مبارك ، يا ثواب من أحسن ضيافته.
هذا الضيف لا يود الطائعون مفارقته ؛ لأنه يقربهم من الله بوعظه لهم ، وكسر شوكة شيطانهم عليهم، فأنعم به من ضيف كريم مبارك.
وضيفنا يا أيها الحبيب هو شهر رمضان المبارك ، فمن المستضيف...؟!!! أسأل الله أن يبلغنيه و إياك ، وأن يجعلنا فيه من العتقاء من النار ومن المقبولين،وأن يختم لنا بخير،وأن يجمعنا مع الحبيب محمد –صلى الله عليه وسلم-في دار مقامته، إن الله على كل شئ قدير.
ومن حسن ضيافتنا لهذا الشهر المبارك: الاستعداد له ، وحسن استقبال مقدمة ركائبه، أعني بمقدمة ركائبه : الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس-إلا من رحم الله تعالى-.
ألا وهو شهر شعبان
(شهر القراء كما قال حبيب بن أبي ثابت ،وسلمة بن كهيل وغيرهم -رحمهم الله تعالى-).

أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما بسند حسنه الشيخ الألباني-رحم الله الجميع- من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنه- ، قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان،قال:" ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

قال السِّنْدِي-رحمه الله-:قيل وما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل؟!، قلت(أي السندي):يحتمل أمران:أحدهما:أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم،ثم تعرض عليه أعمال الجمعة كل اثنين وخميس،ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضا بعد عرض،ولكل عرض حكمة يُطْلِعُ عليها من شاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية.
ثانيهما: أن المراد أنها تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو بالعكس.

وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله- في صحيحيهما من حديث عمران بن حصين-رضي الله عنه- أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال له أو لآخر: "أصمت من سرر شعبان". قال:لا . قال:"فإذا أفطرت فصم يومين".
والسرر هنا كما قال جمهور أهل اللغة-رحمهم الله تعالى-هو آخر الشهر، وهو الصحيح.(وستأتي إن شاء الله مسألة حكم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين).
وهذا الحديث فيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان،وأن صوم يوم يعدل صوم يومين في غيره،أخذا من قوله في الحديث:"فصم يومين مكانه" يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان، كما قال الحافظ ابن حجر نقلا عن القرطبي-رحم الله الجميع-.

لذا يستحب أن يكون من عادة الإنسان أن يصوم أواخر كل شهر، فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين كما قال الحافظ-رحمه الله- في الفتح،(وستأتي هذه المسألة -بإذن الله تعالى-).

ومن فضائل الصيام في هذا الشهر ما جاء عن أبي داود وغيره
-رحمهم الله- بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-،قالت: "كان أحب الشهور إليه أن يصوم شعبان ثم يصله برمضان".
وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله- في صحيحيهما من حديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-قالت:كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر ، ويفطر حتى نقول لا يصـوم ، وما رأيت
رسول الله- صلى الله عليه وسلم-استكمل صيام شهر إلا رمضان ،وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان.
وفي رواية عنها-رضي الله عنها-(في الصحيحين أيضا):لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم-يصوم شهرا أكثر من شعبان،وكان يصوم شعبان كله ، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون ........".
وفي رواية عند مسلم-رحمه الله-:كان يصوم شعبان إلا قليلا .

قال ابن رجب-رحمه الله-:"قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان ؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة ، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته ، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط".

وهذا الإكثار من الصيام في شهر شعبان يدل على فضيلة هذه العبادة في هذا الشهر ، والمقصود صيام أكثر الشهر،لا كله ،كما هو ظاهر الروايات ، فقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله ، ويقال:قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره.
والدليل على ذلك ما رواه مسلم-رحمه الله- في صحيحه أن عبد الله بن شقيق-رحمه الله-سأل أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-:هل كان النبي
-صلى الله عليه وسلم-يصوم شهرا معلوما سوى رمضان؟. قالت: لا والله ،إن صام شهرا معلوما سوى رمضان حتى مضى لوجهه (وفي رواية: حتى مضى لسبيله)ولا أفطره حتى يصيب منه(وفي رواية: ولا أفطره كله حتى يصوم منه)، (وفي رواية: وما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان).
وأخرج البخاري ومسلم-رحمهما الله-في صحيحيهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-قال: ما صام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-شهرا كاملا قط غير رمضان............الحديث.

ليلة النصف من شعبان
الاحتفال بليلة النصـف من شعبـان ليس له أصـل في سنـة رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-،ولا من فعل أحد من أصحابه ، وما يفعله الناس اليوم من صلاة مخصوصة ،وأذكار معروفة ،وما لحق ذلك من أعمال مخالفة للشرع، كل ذلك من البدع المنكرة.
ولكن اشتهر عن بعض السلف أنهم كانوا يجتهدون في العبادة في هذا اليوم كخالد بن معدان ومكحول ، ومن أهل العلم من خص ذلك بالبيــت دون المسجد كالأوزاعي ،ومنهم من أجـــاز الاجتهاد في تلك الليلة في المسجد كابن راهويه-رحم الله الجميع-.
إذا فالحاصل أن الخلاف منحصر في الاجتهاد في هذه الليلة أو عدمه، والذين رأوا تخصيص هذه الليلة بالعبادة ، اختلفوا في مكان ذلك: أهو في المسجد أم في البيت؟.
أما ما يحصل الآن من الصلوات المخصوصة والأذكار المعلومة فليس له أصل في الكتاب أو السنة أو عمل سلف الأمة-رحمهم الله-.
وأما عن فضيلة هذه الليلة :فالصواب –والعلم عند الله تعالى- أنه لم يصح في فضيلتها حديث عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وقد حكم الإمــام العقيلي في الضعفاء، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن العربي في عارضة الأحوذي-رحم الله الجميع-بأن هذه الأحاديث لا يصح منها شئ ،
بل قال ابن العربي-رحمه الله-:وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه.

وقد صحح العلامة الألباني –رحمه الله- الحديث بمجموع طرقه ،حيث قال في الصحيحة (على حديث:" إن الله يطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"):حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا، وهم معاذ بن جبل ،وأبو ثعلبة الخشني،وعبد الله بن عمرو،وأبو موسى الأشعري،وأبو هريرة وأبو بكر الصديق وعوف بن مالك وعائشة.-رضي الله عن الجميع-.

قلت :إن هذه الطرق لا تقوى للاعتضاد لشدة ضعفها ، وسأفردها في أوراق مستقلة قبل مجيء يوم النصف من شعبان إن شاء الله تعالى.
وقد قال المحدث الألباني-رحمه الله- في تحقيقه لكتاب إصلاح المساجد للقاسمي-رحمه الله-:ولا يلزم من ثبوت هذا الحديث اتخاذ هذه الليلة موسما يجتمع الناس فيه.
قلت:وليس معنى أنه لم يثبت حديث في فضلها، أنه لا يستحب صيام يومها،
قال العلامة ابن رجب الحنبلي-رحمه الله-في لطائف المعارف:أما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه؛فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر.
قلت فإن ثبت ضعف الحديث فلا يحل الصيام من أجل فضل يوم النصف، وإنما يصام على أنه من جملة الأيام البيض،وهذا هو الأورع خروجا من الخلاف -والعلم عند الله تعالى-.

الصيام بعد منتصف شعبان
أخرج الإمام أحمد في مسنده،وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى بسند صححه الشيخ الألباني-رحم الله الجميع- عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان"، وفي رواية الترمذي-رحمه الله-: "إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا".
قلت وقد اختلف العلماء-رحمهم الله تعالى- في صحة هذا الحديث،فقد صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والطحاوي وابن عبد البر-رحم الله الجميع-، وبالرغم من تصحيح الطحاوي-رحمه الله- له فقد قال هو منسوخ،وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به.
وقد ضعفه أئمة كبار كأحمد بن حنبل،حيث قال:هو حديث منكر،وكان عبد الرحمن-أي ابن مهدي-لا يحدث به،وحكم بضعف هذا الحديث ابن معين وأبوزرعة والأثرم وأبو داود والخليلي،وقد أشار إلى ضعفه البيهقي -رحم الله الجميع-.
قلت والسند في ظاهره الحسن إلا أن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي-رحمه الله-مختلف فيه من حيث الجملة، وقد خالف حديثه الأحاديث الصحيحة مثل حديث أم المؤمنين عائشة المتقدم:كان يصوم شعبان كله أو إلا قليلا ، وغيره ،لذا لابد أن ننظر في السند والمتن جميعا،فالصواب
-والعلم عند الله تعالى-أن هذا الحديث منكر كما قال الإمام أحمد وغيره -رحمهم الله-.

وعلى قول من قال بصحته فإننا نجمع بين هذه الأحاديث بأن النهي عنه هو أن يكون الرجل مفطرا،فإذا بقي من شعبان شئ أخذ في الصوم،كما نقل الترمذي عن بعض أهل العلم-رحم الله الجميع-، وقيل أن حديث العلاء بن عبد الرحمن –رحمه الله-محمول على من يضعفه الصوم، وقيل النهي من أجل التقوي على صيام رمضان.

قلت: وما نقله التـرمذي-رحمـه الله-أولى إن صح حديث العــلاء -رحمه الله-لما سيأتي في حديث النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين-والعلم عند الله تعالى-.

حكم تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين
أخرج البخاري-رحمه الله-في صحيحه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعا:"لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم".
قال ابن حجر-رحمه الله-: أي لا يتقدم رمضان بصوم يوم يعد منه بقصد الاحتياط له،فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف.....قال العلماء: معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتيـاط لرمضـان،قال الترمذي لما أخرجه: العمل على هذا عند أهل العلم ، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان......ومعنى الاستثناء:أن من كان له ورد فقد أذن له فيه ؛لأنه اعتاده وألفه،وتركُ المألوفِ شديدٌ، وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ، ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما، قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن.أ.هـ كلامه-رحمه الله-.

وأما حديث عمران بن حصين-رضي الله عنه-المتقدم(حديث سرر شعبان) فقد أجاب عنه الخطابي والمازري وغيرهم-رحمهم الله-، فقالوا:
أن هذا الرجل كان معتاد الصيام آخر الشهر أو نذره فتركه لخوفه من الدخول في النهي عن تقدم رمضان، فبين له النبي-صلى الله عليه وسلم-أن الصوم المعتاد لا يدخل في النهي، وإنما ينتهي عنه غير المعتاد.

وقال الحافظ-رحمه الله-في الفتح(وقد تقدم) : يؤخذ من الحديث(حديث السرر)الندب إلى صيام أواخر كل شهر؛ ليكون عادة للمكلف فلا يعارضه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين،لقوله فيه:"إلا رجلا كان يصوم يوما فليصمه".
وقال أيضا-رحمه الله- : أشار القرطبي إلى أن الحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره......الفرار من المعارضة؛ لنهيه-صلى الله عليه وسلم-عن تقدم رمضان بيوم أو يومين،وقال:الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك،وحمل الأمر على من له عادة حملا للمخاطب بذلك على ملازمة عادة الخير حتى لا تنقطع.

ويندرج تحت هذه المسألة مسألة صيام يم الشك،وسأفردها في أوراق مستقلة –إن شاء الله تعالى-.

إذا يتبقى مما وعدتك به تخريج أحاديث فضيلة ليلة النصف من شعبان، ومسألة صيام يوم الشك،وسأسعى جاهدا لكي أسطرها لك ،أسأل الله أن يجعل رسالتي هذه خالصة لوجهه الكريم ، وألا يجـعل لأحـد فيها شيئـا، وأن يهبني غنمها، ويتجاوز لي برحمته عن غرمها.

أخي الحبيب: هذا جهد المقل قد بذلته ،ونقل للأئمة قد جمعته ،رجاء أن أقدم لك خاصة، وشباب الصحوة عامة ما نشد به من أزر بعضنا للوصول إلى هدي نبينا-صلوات الله وسلامه عليه-؛فإن وفقت فيه فلله الحمد والمنة،وإن كان غير ذلك من خلل أو تقصير فمن نفسي ومن الشيطان،وأستغفر الله من ذلك.

وأختم بقول الحريري في ملحته:
وإن تجد عيبا فسد الخللا..............جل من لا عيب فيه وعلا.

وأستودعك الله يا أخي الحبيب على أن ألقاك بما وعدتك به ، وإلى أن نلتقي لا تنساني من صالح دعائك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.